كتب ألفريد بروت-هيجهامر، الأستاذ المشارك للعلوم السياسية بجامعة أوسلو، ومؤلف كتاب عن سبب فشل العراق وليبيا في صنع أسلحة نووية، تحليلًا في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية حول مخاطر الأسلحة النووية المحدقة بالعالم في العام الجديد، في ضوء اغتيال أمريكا الجنرال الإيراني البارز، قاسم سليماني، ورد فعل إيران المتوقع بتسريع برنامجها النووي والتخلي عن اتفاق عام 2015، وكذلك سلوك كوريا الشمالية المراوغ، والذي يبدو منه استحالة تخلي بيونج يانج عن أسلحتها النووية، وهو ما يعني الفشل الذريع لإدارة ترامب في هذا الملف الهام.

ويستهل الكاتب تحليله بقوله إن «عام 2020 يحمل إلينا المزيد من الأمور التي تثير قلقنا أكثر من الضربة الجوية الأمريكية التي قتلت الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد في وقت مبكر من يوم الجمعة. بدءًا من تعهد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون بامتلاك سلاح استراتيجي جديد، والتخلي عن وقف التجارب النووية والصاروخية، مرورًا بتخلي إيران عن التزامها بالاتفاق النووي لعام 2015، والاستعداد لتكثيف برنامجها النووي في غضون أيام، وحتى التوتر المتصاعد بين الهند وباكستان المسلحتين بالأسلحة النووية، وهي أمور قد تجعل من عام 2020 عامًا خطيرًا على نحوٍ غير عادي».

ويحذر الكاتب من أن «الأكثر خطورة من ذلك، أن بعض الحكومات بصدد اتخاذ قرارات يمكن أن تقوض الاتفاقات متعددة الأطراف التي تحد من مخاطر الانتشار النووي وسباقات التسلح، وتمنع الصراع».

 

فيما يلي، يرصد التحليل ثلاثة مجالات يمكن أن يواجه العالم فيها تحديات أكبر في عام 2020:

1. تصعيد النزاعات مع إيران وكوريا الشمالية

يرى الكاتب أن «القضية الأكثر إلحاحًا في الوقت الراهن، هي انشغال إيران بالإعداد للانتقام لمقتل سليماني في الأسبوع الماضي، في حين أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف ترسل 3500 جندي إضافي إلى المنطقة. ويمكن أن تتصاعد هذه المواجهة إلى حرب، وربما يحدث ذلك من خلال سوء تقدير أي من الطرفين.

أو يمكن للحكومة الأمريكية أن تشجع إيران على التصعيد، الأمر الذي يبرر رد فعل أقوى، مما يمكّن الأمريكيين من محاولة إطاحة النظام، وهو الأمر الذي كثيرًا ما دعا إليه مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون».

لكن جهود إيران طويلة المدى في المجال النووي تجعل التعامل معها أكثر صعوبة في هذا الملف.إذ ردت إيران على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بزيادة برنامجها النووي تدريجيًّا، في استراتيجية «التراجع سيقابل بالتراجع less-for-less»، وهو الأمر الذي يحمله الإعلان الأخير إلى مسافة أبعد. ويتوقع التحليل أن يتلاشى بسرعة استعداد إيران للامتثال للاتفاق الذي يعاني الآن من موت سريري.

وعلى الرغم من أن إيران على ما يبدو لم تُعِد بعد بدء برنامجها للأسلحة النووية، فإن حوافزها لفعل ذلك واضحة الآن. فيما قال ترامب إنه يستطيع التفاوض على صفقة جديدة وأفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي تفاوضت عليها الولايات المتحدة وإيران إلى جانب الاتحاد الأوروبي والأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ويرى الكاتب أن هذا الاتفاق الذي يأمله ترامب «سيكون أصعب بكثير الآن. فحين قتل الأمريكيون شخصية رئيسية في النظام الإيراني، أغلقوا سبل التقارب، وأظهروا للجمهورية الإسلامية أنها هدف لهم».

وينتقل الكاتب للحديث عن بيونج يانج، ويرى أن الوضع هناك خطير لأسباب مختلفة. إذ تعد كوريا الشمالية دولة مسلحة بالأسلحة النووية، ولديها حافز للتصعيد أولًا إذا رأى النظام أنه في صراع يهدد بقاءه.

لم يوافق كيم أبدًا على التراجع عن البرنامج النووي لكوريا الشمالية، ولذا فهو الآن غير مقيد في جهوده لتوسيع ترسانته. وعزوف إدارة ترامب الواضح عن الاعتراف بفشلها في كبح البرنامج الكوري الشمالي يجعل التعامل معه أمرًا صعبًا. إذا غيرت الإدارة سياسة «الضغوط القصوى»، والتي تعد في الأساس نهجًا خطابيًّا ولا ينطوي على أي إمكانيات لتغيير سلوك كوريا الشمالية، فقد تنزلق الأمور إلى الأسوأ بسرعة.

2. ضغوط الانتشار النووي ستزداد

يوافق هذا العام الذكرى الخمسين لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، التي نجحت بشكل ملحوظ في وقف انتشار الأسلحة النووية. لكن لا يجب أن تتوقع الكثير من الاحتفال بتلك المعاهدة، على حد قول الكاتب. وتعبر الولايات المتحدة، وغيرها من المؤيدين التقليديين، عن فتورها تجاه المعاهدة، بينما يزعم بعض المنتقدين أنه يمكن أن تحل محلها معاهدة حظر الأسلحة النووية لعام 2017، بمجرد دخولها حيز النفاذ.

وتقول الحكومات الداعمة لمعاهدة حظر الأسلحة النووية إنها تشعر بالإحباط؛ لأن أعضاء معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لم ينزعوا أسلحتهم النووية بالكامل بعد.

ويستدرك الكاتب: «لكن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، نجحت في الحد من انتشار الأسلحة النووية. إذ يتحدث القادة في السعودية وتركيا علانية عن تطلعهم لامتلاك أسلحة نووية، خاصة إذا تركت إيران معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وحصلت على أسلحة نووية، إذ أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن حكومته ستطور أسلحة نووية أيضًا في هذه الحالة. وفي العام الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «لا يمكنني قبول» أن تكون تركيا محظورًا عليها امتلاك أسلحة نووية».

وفي الوقت نفسه، يتساءل حلفاء أمريكا في أوروبا وآسيا عما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على المظلة النووية الأمريكية. وتخلت بعض هذه الدول عن الاهتمام المبكر بالأسلحة النووية منذ عقود في مقابل الردع الأمريكي.

بينما يسود قلق متزايد في واشنطن، من أن الولايات المتحدة يجب ألا يكون لديها أسلحة نووية منتشرة في قاعدة إنجيرليك التابعة للناتو في تركيا. وهذا يزيد من مخاوف حلفاء الناتو من أن الولايات المتحدة، مع وجود ترامب في البيت الأبيض، تتخلى عن التزامها بالدفاع عنهم. وبينما تعهدت فرنسا بتغطية ألمانيا بالرادع النووي الخاص بها، يجادل السياسيون الألمان حول ما إذا كان يتعين عليهم السعي لامتلاك الأسلحة النووية الخاصة ببلادهم. كما أن السياسيين الأستراليين يثيرون فيما بينهم جدلًا مماثلًا بشأن هذه القضية.

لا تعني هذه المناقشات بالضرورة أن الحكومات ستسعى بالفعل إلى امتلاك أسلحة نووية. غير أن المناقشات نفسها تضعف المحرمات النووية التي ساعدت في إبعاد الأسلحة عن النزاعات الدولية. وللأسلحة النووية الآن مكان في النقاشات السياسية الداخلية لم تشهدها منذ الحرب الباردة، بحسب التحليل.

3. زوال الحد من التسلح كما نعرفه

وفي الوقت نفسه، تتراجع الدول عن المعاهدات التي تمنع سباق التسلح النووي، وحتى تتخلى عنها. فمن المرجح أن تنتهي معاهدة ستارت الجديدة، وهي المعاهدة الوحيدة المتبقية للحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا، في فبراير (شباط) 2021.

تقول إدارة ترامب إن على الصين الانضمام إلى معاهدات الحد من الأسلحة النووية.

ويأتي هذا بعد انهيار معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (INF)، بعد ورود تقارير تفيد بأن روسيا انتهكتها لعدة سنوات. وتقول إدارة ترامب إن على الصين الانضمام إلى معاهدات الحد من الأسلحة النووية، بما في ذلك معاهدة ستارت الجديدة، بينما لا تبدي الصين اهتمامها بذلك.

ويقول الكاتب إنه «إذا دفعت تلك التطورات الولايات المتحدة إلى التخلي عن معاهدة ستارت الجديدة، يمكن للأمريكيين والروس بدء سباق تسلح نووي. وإذا لم يجر تمديد معاهدة ستارت الجديدة، فسيكون هذا هو انهيار الحد من التسلح في شكله الحالي».

ويلفت التحليل إلى أن عمليات نشر الأسلحة الأكثر خطورة، والمفاهيم الخاطئة المحتملة لإدارة ترامب حول الاستراتيجية النووية الروسية والصينية، يمكن أن يؤدي إلى تعثر الناتو وروسيا بسهولة أكبر في سوء فهم خطير.

كما سيتطلب التقدم التكنولوجي تعديلات في أطر عمل الحد من التسلح. وهذا العام ربما يُظهر أهمية النهج متعدد الأطراف للحد من مخاطر الانتشار وسباقات التسلح النووي، ويوضح لماذا يجب بذل المزيد من الجهود للحفاظ على هذا النهج.

في الختام، يقول الكاتب إن «العالم سيكون أكثر خطورة من دون المعاهدات الناقصة التي لدينا للحد من الانتشار النووي وسباقات التسلح، مما يزيد من المخاطر بأن يؤدي سوء التقدير إلى الحرب والصراع».

 

المصدر | washingtonpost